وضع داكن
27-11-2024
Logo
الدرس : 70 - سورة البقرة - تفسير الآية 208 السلم هو الإسلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

الله تعالى أراد من الإسلام أن يكون سِلماً لأنه من أسلم فهو في سلام:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السبعين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثامنة بعد المئتين، وهي قوله تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)﴾

[ سورة البقرة ]

أيها الإخوة الكرام؛ يُخاطب الله الذين آمنوا به، آمنوا به وبكماله ووحدانيته، وآمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، آمنوا بعلمه، و آمنوا بحكمته، وآمنوا بقدرته، وآمنوا برحمته، ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ الأصل أن تؤمن بالله، فإن أمنت به الآن اتبع أمره، ما أمره؟ ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ السلم هو الإسلام، لمَ سمّي هنا السلم؟ لأنك إن أطعت الله عز وجل كنت في سلام مع الله، لا تنتظر من الله إلا كل إكرام، يجعل الله لك نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، إذا كنت مطيعاً لله فأنت معه في سلام، لأن كلّ المعاصي والآثام هي سبب المصائب والآلام، فإذا كنت مع الله في سلام فأنت في حصنٍ حصين، وأنت في سلام، إن أطعته فأنت في سلام، إن أطعت الله عز وجل كنت في سلام مع نفسك، السلم هنا أي السلام، يوجد سلام مع نفسك، النفس جُبِلَت على طاعة الله والقرب منه، إن أطعت الله عز وجل ارتاحت نفسك وأراحتك، وإن عصيت الله أتعبتها وأتعبتك، أكثر الأمراض النفسية والعقد النفسية بسبب خروج الإنسان عن فطرته، إذاً أراد الله من الإسلام أن يكون سِلماً، لأنك إن أسلمت حقيقة أنت في سلام مع الله، وفي سلام مع نفسك، الآن في سلام مع من حولك، المطيع يحبه كل من حوله، المطيع وقّاف عند حقوقه، لا يأخذ ما ليس له، ووقّاف عند حقوق الآخرين، فكل إنسان مسلم يحبه كل من حوله، كل من حوله يتمنى القرب منه، كل من حوله يُثني عليه، كل من حوله يحاول أن يخدمه، لأنه أخذ ما له وترك ما ليس له، هذا الحد الأدنى العدل، أما الإحسان المؤمن محسن، والإحسان يجلب القلب، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، النقطة الدقيقة هي أن الإنسان حينما يستقيم على أمر الله يعيش حالة السلم أي حالة السلام مع كل المخلوقات.
 

إذا كنت مع الله كنت في وئام وانسجام مع بقية المخلوقات:


الشجرة تُسَبِح الله عز وجل لقول الله عز وجل: 

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)﴾

[ سورة الإسراء ]

هي مُسَبِحة لله، فإذا كنت أنت مع الله كنت في سلام معها، النخلة؛ كان عليه الصلاة والسلام يخطب من على المنبر، ويضع يده على جذع النخلة إكراماً لها، في سلام مع المخلوقات، أعرف حجراً في مكة كان يسلم عليّ وأُسلم عليه، حتى الجمادات نفوس، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ .

(( لقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قال أبو بكر رضي الله عنه : والله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينًا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكْر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طُرُقِكُمْ، لكن يا حنظلة ساعة وساعة. ))

[ مسلم عن حنظلة الأُسَيِّدِىِّ رضي الله عنهما ]

أي عندما يكون الإنسان مع الله عز وجل ينشأ عنده حالة شفافية، كأنه يحس بمشاعر الحيوانات، يحس بشعور النبات، في سلام مع النبات، مع الحيوان، مع الجماد، في سلام مع نفسه، مع جيرانه، مع أقربائه حتى مع عدوه، هناك منهج يحكمه، لا يوجد تطاول، لا يوجد عدوان، هناك حرب شريفة، لكن ليس هناك تنكيل، ليس هناك تمثيل، ليس هناك كيل الصاع عشرة، أي الله عز وجل لحكمة أرادها سمّى الإسلام سِلماً، بمطلق معاني هذه الكلمة، سِلم مع الله، مع النفس، مع الأهل، مع الأولاد، مع الجيران، مع المؤمنين، مع الناس كافة، مع المخلوقات، مع الجماد، مع النبات، مع الحيوان، المخلوقات غير المُكلّفة مُسَبحة لله عز وجل، فإذا كنت مع الله أنت كنت صديقاً لها، أما المؤمن حينما يموت تبكي عليه السماء والأرض، بينما الكافر:

﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾

[ سورة الدخان ]

معنى السماء نفوس لها مشاعر، والأرض نفوس لها مشاعر، فإذا كنت أنت مع الله كنت في وئام وانسجام مع بقية المخلوقات، هذه الوحدة، أنك أنت متناغم مع كل المخلوقات، لا يوجد لك عدو، كلها مخلوقات مُسَبحة لله عز وجل، وأنت مع الله، إذاً هناك انسجام، المؤمن صديق النبات، صديق الحيوان، إذا قتله ليأكله لا يُعذبه:

((    عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فَإِذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وَإِذا ذَبحتُم فأحْسِنُوا الذَّبحَ، وليُحدَّ أحدُكم شَفرَته، ولْيُرِحْ ذبيحَته. ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي  ]

ما قَبِل النبي عليه الصلاة والسلام أن تذبح شاة أمام أختها، قال له: هلّا حجبتها عن أختها! أتريد أن تميتها مرتين؟ القضية دقيقة جداً.

الكافر متفلّت كالدابة أما المؤمن فمنضبط:


سمّى الله عز وجل الإسلام سلماً، أنت حينما تنصاع لله عز وجل ترتاح نفسك وتريحك، يرتاح من حولك ويريحونك، اسأل زوجة كان زوجها شارداً، ثم تاب إلى الله، تجده قد انقلب 180 درجة، صارت أخلاقه رضيّة، عنده رحمة، صار منطقياً، صار واقعياً، صار  يحترمني، يريحني، كان وحشاً، كان في خصومات مع زوجته، فصار في سلم معها، عندما يصطلح التاجر مع الله عز وجل يحبه كل من حوله، كان أنانياً، كان وصولياً، كان مادياً، كان يكذب، يحتال ليربح، الآن يأخذ ما له ويدع ما ليس له، أي لا توجد كلمة أروع لتعبر عن الإسلام من كلمة السلم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ كن مسلماً، هل يمكن أنْ تعذب سمكة؟ لا يمكن، الآن اصطدتها لابد من أن تجب جنوبها، ترتاح، بعدئذٍ تنزع أحشاءها، شاهدت مرة إنساناً يذبح دجاجة، بعد أن يذبحها مباشرة يغمسها في ماء يغلي لينزع ريشها بسهولة، ولا تزال حية! عدو للدجاج، عدو للحيوان، عدو للطبيعة، وما يجري من تلويث للطبيعة الكفر سبب هذه البيئة الملوثة، هناك رغبة جامحة لتجميع أموال الأرض كلها، إذاً قضية النمو والصناعة هذه كلها على حساب نقاء الجو، عندما صار غاز الفحم بكميات أكبر مما ينبغي ارتفعت الحرارة، وتبدلت خطوط المطر، صار هناك تبدل جذري بالمناخ الآن، تلاحظون شيئاً غير طبيعي؛ رياح عاتية اجتاحت أوروبا، سرعتها عالية جداً، ناقلة نفط شطرتها شطرين في استنبول في البوسفور، أشجار عملاقة اقتُلعت من جذورها، صور الدمار الذي أصاب أوروبا بسبب هذه الرياح العاتية يفوق حدّ الخيال، أمطار في فنزويلا قتلت مئة ألف إنسان، وشردت مئتي ألف، مدن بأكملها غُمِرت بالأوحال، هنا جفاف منقطع النظير في أيام الشتاء القارس! في أيام الثلوج، والأمطار، والبرد، والمدافئ، والمعاطف، جو ربيع، جو صيف، فهناك تخريب للبيئة، لأن الإنسان لوّث البيئة بصناعته، حتى الفضاء الخارجي ملوث بهذه الإرساليات التي تملأ الفضاء الخارجي، الجو ملوث، هناك من يقول: إن الجو العام بهذه الشحنات الكهرطيسية صار جوّاً غير سليم، فقضية ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ أي السلم هو الإسلام، أنت إن أسلمت فأنت في سلم، مع كل الأطراف، أجمل حياة أن تكون على وئام وودّ مع كل من حولك، شجرة أحياناً تقطعها بلا سبب فتلعنك، إنسان يبول في أصل شجرة تلعنه الشجرة، لأن أصلها ليس مكاناً للبول مثلاً، فالكافر متفلّت كالدابة، يلعنه كل شيء، ويحتقره كل شيء، ويؤذي كل شيء، أما المؤمن إذا مشى مَشى متواضعاً، لا يدوس على نملة، ولا على مخلوق يسبح الله عز وجل، ولا يشوه نباتاً، ولا يقطع نباتاً من دون سبب وجيه.
 

الكون متناغم ومُسيّر وكله مسبح لله عز وجل:


الذي أريد أن أقوله عندما قال ربنا عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ أي ادخلوا في الإسلام الذي هو سلم مطلق، سلم مع كل الجهات، الكون متناغم، الكون مُسيّر، وكله مُسَبح لله عز وجل، فأنت حينما تُسلِم أنت تتناغم مع الكون، أي لبِنة في بناء شامخ، ليس لغماً، الآن بين أن تضع لبنة في بناء متممة للبناء بين أن يكون الإنسان قنبلة تُفجر من حوله، الكافر قنبلة مدمر، حتى في صناعته، حتى في قضية إنتاج الكهرباء من الذرة صار هناك تلوث إشعاعي، شي مخيف، كل شيء يأتينا من بلاد صار فيها انفجار ببعض المحطات النووية ملوث، الحليب ملوث، الخضار ملوثة، الفواكه ملوثة، لحم الدجاج ملوث، الخرفان ملوثة، تلوثاً إشعاعياً يُسبب السرطان، فالكافر أفسد الحياة الدنيا، أفسد الأجواء، شوّه طبيعية الإنسان، أفسد نقاء الإنسان، أفسد الأطفال، فالسلم يعني سلاماً، أو كما قلت قبل قليل بدءاً من الله سلام مع الله، سلام مع الذات، سلام مع الأهل، مع الأولاد، مع الجيران، مع المؤمنين، مع الخلق، مع الناس كلهم، مع الحيوانات، مع الأطيار، مع الأسماك، مع النبات، مع الجماد، له في كل موقف حكم شرعي، مثلاً: صياد ذهب ليصطاد هواية فقتل مئات الطيور ثم ألقاها في الطريق، أناس كثيرون يذهبون إلى البادية في أيام الصيد يصطادون كهواية، وهذا الذي اصطادوه لا يأكلونه، يلقونه في الطريق، ماذا يقول؟ يأتي هذا الطائر يوم القيامة وله دوي تحت العرش، يقول: يا رب سله لمَ قتلني؟ المؤمن قد يصطاد طائراً ليأكله في سفر، وهو مضطر أن يأكله، فحينما يُصطاد الطائر ويؤكل، صار الطائر له عمل، قدم لك خدمة، أنقذك من الموت، أما قتلته وألقيته في الطريق، هذا الذي أريد أن يكون واضحاً لديكم ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ ادخلوا في الإسلام، الذي يعني أنّك إن طبقت كلامه أنت في سلام مع الله، تشعر أن الله معك، لا يوجد مفاجأة، لا يوجد مرض عضال، لا يوجد دمار، لا يوجد قهر، لا يوجد فقر مدقع، لا يوجد فضائح، الله معك، يحفظك، لأنك أنت معه فهو معك، كن مع الله ترَ الله معك، عندما تكون أنت أباً مسلماً، تكون محسناً لأولادك، ينعكس إحسانك لهم محبة منهم لك، تجد أولاد الأب المسلم يحبونه حبّاً جماً، الزوج المسلم تحبه زوجته، لأنه وقّاف عند كتاب الله، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، موظف مسلم يحبه كل من حوله، لا يستكبر عليهم، يعاملهم بالود والرحمة والإحسان أينما ذهب، تاجر مسلم يبيع بضاعة جيدة بسعر معقول، لا يغش الناس، لا يحتال عليهم، فأينما حلّ المسلم هناك من يحبه، ويلتف حوله، ويُقدره، ويمحضه الود والإخلاص، معنى هذا دخل في السلم، انظر إلى المؤمن ليس له عدو تقريباً، ما دام مطبقاً للشرع فكل الناس يحبونه.
 

ينبغي أن تكون كلك ضمن الإسلام:


﴿ادخلوا في السلم﴾ هناك نقطة في كلمة ﴿في﴾ ، ﴿في﴾ تعني الظرفية، نقول: الماء في الكوب، أي الماء كله في الكوب، والكوب ظرف، استوعب المظروف، إذا قال الله عز وجل: ﴿ادخلوا في﴾ أي يجب أن تدخل كلك في الإسلام، أي ليس فقط أن تؤدي عبادات شعائرية بالمسجد، أي أن تدخل أنت وتجارتك، أنت وزواجك، أنت وأفراحك، أنت وأتراحك، أنت وسفرك، أنت وإقامتك، أنت ككيان بكل حركاتك، وسكناتك، ونشاطاتك، وجوانب شخصيتك ضمن الإسلام، لا يوجد لك نزعات نافرة، ليس لك أشياء خارجة عن الإسلام، ليس لك أفكار غير صحيحة شاذة، ليس لك سـلوك شـاذ، ليس لك تصـرفات شاذة: ﴿ادخلوا في﴾ أي أدخلنا هذا الماء بالكأس، فاستوعب الكأسُ الماءَ كله، لا يوجد ماء خارج الكأس، فكلمة ﴿في﴾ تعني شيئاً ضمن شيء، الطلاب في الصف، أي جميع الطلاب في قاعة الصف، الإخوة الكرام في المسجد، كلهم في المسجد، أي استوعبهم المسجد. 
فإذا أنت دخلت في الإسلام طبقت فيه العبادات الشعائرية، والعبادات التعاملية، وطبقت عملك في الإسلام، وتجارتك، هذه ﴿ادخلوا في﴾ أما يوجد إنسان ربعه ضمن الإسلام، وثلاثة أرباعه خارج الإسلام، سفره غير إسلامي، بيته غير إسلامي، عمله غير إسلامي، دخله غير إسلامي، إنفاقه غير إسلامي، استثماره للمال غير إسلامي، يقول لك: والله يا أخي الفندق يعطي أرباحاً طائلة، فندق خمسة نجوم، كله معاص وآثام، طبعاً هناك أرباح طائلة، فأنت جزء من مالك مستثمر بطريق غير مشروع مثلاً، فأنت لست بكلك في الإسلام، ما دخلت الإسلام كلك، هناك قسم لم يدخل في الإسلام، إذا جزء من دخلك غير إسلامي، وجزء من لهوك غير إسلامي، وجزء من علاقاتك الاجتماعية غير إسلامي، أي أنت ما دخلت في الإسلام، بقي بعضك خارج الإسلام، أما الآية: ﴿ادخلوا في السلم﴾ كلك ضمن الإسلام، بتفكيرك، وبعقيدتك، وبلهوك، ومرحك، وبجدك، وبحزنك، وبفرحك، وبتجارتك، وبإقامتك، وبسفرك، وبعلاقاتك، وبعطائك، وبمنعك، وبصلتك، وبقطيعتك، وبغضبك، وبرضاك، كلك بالإسـلام، تطبق منهج الله عز وجل، هذا معنى ﴿ادخلوا في السلم﴾ السلم ظرف وأنت مظروف، فالظرف يجب أن يستوعب المظروف، كلك ضمن الإسلام.
النقطة الدقيقة أيها الإخوة؛ أن الله عز وجل سمّى الإسلام سلماً، ليس هناك أجمل من حالة السلم، مرتاح، إذا كان شركة فيها مشاكسة تصبح الحياة فيها جحيماً، أما مثلاً إذا كان فيها ود، فيها تفاهم، فيها تسامح، فيها تكافؤ، تجد فيها راحة نفسية، أجمل بيتٍ بيتُ المسلم، الشرع مطبق في البيت، الزوجة لها حقوق وعليها واجبات، والزوج كذلك، والابن له منهج، هذا معنى قول الله عز وجل: ﴿ادخلوا في السلم﴾ أي أنت ببيتك، وبعملك، وبلهوك، وبفرحك.
 

كلمة (كافة) لها معنيان:


أما النقطة الدقيقة جداً فهي كلمة ﴿كافة﴾ أي أنت عندك هاتف، ولك خمسون صديقاً لا يملك أيٌّ منهم هاتفاً، ما قيمة هاتفك؟ لم يعد له قيمة إطلاقاً، أما قيمة هاتفك إذا كان عند كل أصدقائك هواتف، أنت صادق، الكل يكذبون، هم انتفعوا بصدقك، وأنت لحقك ضرر بكذبهم، هذا يحدث دائماً، المؤمن صادق، وسبيله الصدق، وعنده حسن ظن، فكل من حوله يكذب عليه، أما هو فيصدق معهم جميعاً، الثمرة المرجوة لم تتحقق، لأنهم ما دخلوا في السلم كافة، دخل واحد، اثنان، والبقية كاذبون، أنت لا تغش، أنت مخلص، البقية يغشون، فأنت ضاعت ميزتك مع فيضان الغش بالمجتمع، ما ظهر الدين، الآن مشكلة الدين أنه ما ظهر، الأكثرية يكذبون ويغشون ويحتالون وينافقون، فالصادق المخلص الجريء الواضح لا يظهر أبداً، أما لو طبق الكل الإسلام، تجد له روعة ما بعدها روعة، الكل صادقون، الكل أمناء.
إذا إنسان مؤمن أنت مرتاح معه، لا تخشى منه أنه يغدر بك، أو يسرق منك، أو يغشك، فالتعامل مع المؤمن مريح جداً. 

1 ـ تعود (كافة) على المؤمنين:

هنا النقطة أنه إذا توسع الإسلام وانتشر فإنّ ثماره تظهر، الآن على مستوى مسجد، كل الإخوان صادقون، لا يكذبون، لا يغشون، أعفة مثلاً، تجد أنّ لقاءاتهم ممتعة، هناك سعادة، هناك ثقة مريحة جداً، حتى في التعامل التجاري الأمر مريح، لا يوجد كذب، لا يوجد احتيال، لا يوجد غش، لا يوجد غدر، لا يوجد قنص، الآن الناس كل واحد لغم لا تدري متى ينفجر يحطم من حولـه، أما المؤمن فهو مسالم، يعيش ثلاثين سنة لا يشكو منه أحد، ليس له قضية بمخفر إطلاقاً، يعرف حدوده، وقّاف عند كتاب الله، يعلم ما له، وما عليه، هذه أول نقطة، ﴿ادخلوا في السلم كافة﴾ تعود كافة على المؤمنين.  

2 ـ تعود (كافة) على الإسلام:

هناك معنى ثان: ﴿ادخلوا في السلم كافة﴾ تعود على الإسلام، أي خذوه بأكمله، لا تأخذوا بعضه، إن أخذتم بعضه وتركتم بعضه الآخر لن تقطفوا ثماره، الإسلام منهج كامل، فيه عبادات شعائرية، صوم صلاة حج زكاة، وفيه عبادات تعاملية، وفيه آداب، وفيه عقائد، فأنت يجب أن تدخل في الإسلام كله، بعقائده، لا يوجد عندك بالعقائد خلل، تصورات غير صحيحة، أفكار غير صحيحة عن الآخرة، تتهم الله في عدله وأنت لا تشعر، تتهم النبي في كماله وأنت لا تشعر، دخلت في الإسلام عقيدة، ودخلت فيه عبادة، ودخلت فيه تعاملاً، ودخلت فيه أخلاقاً، ودخلت فيه تفوقاً، دخلت في الإسلام كله، ﴿ادخلوا في السلم كافة﴾ أي جميعاً ادخلوا وطبقوا أحكامه جميعاً.
 

سبب انتظام المجتمع الإسلامي أن الله عز وجل هو المشرِّع:


النقطة الدقيقة هي أن الإنسان حينما يُشرِّع يُشرِّع لمصلحته، فكل مشرع منتفع بتشريعه، إذا أردنا أن نضع تعويضات، تعويضات من يضع لنفسه التشريع رقمها فلكي، تعويضات الطبقة الدنيا رقمها رمزي، مبلغ بسيط جداً، أن المشرع وضع له أكبر مبلغ، لا يجوز أن يُشرّع من ينتفع بتشريعه، تنشأ منازعة، يقول لك: فلان شرع وأنا مثله، يجب أنا ألا أنفذ كلامه، أو يجب أن أحتال عليه، فأكثر مشكلات البشر أن المشرِّع بشر، والمشرَّع له بشر، وقد يكون أذكى من المشرعِ، تنشأ منازعات، لأن المشرع منتفع بتشريعه، أما إذا كان التشريع من عند الخالق انتهى الأمر، الكل ينصاع، سبب انتظام المجتمع الإسلامي لأن الله عز وجل هو المشرع، والله وحده فوق الخلق في التشريع، نحن مُشرَّع عليه، فعندما يعطي الله البنت نصف الذكر، لا أحد يعترض، أما لو كان قانوناً لاعترض الناس، ما دام خالق الكون قال: 

﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)﴾

[ سورة النساء ]

الذكر يقبل والأنثى تقبل، إذا المشرع خالق الكون أعطى توجيها معيناً، منع شيئاً، سمح بشيء، لا وصية لوارث، انتهى الأمر، ليس هناك وصية لوارث، هذا التشريع ليس أرضياً، وليس من بني البشر، ولا أحد ينتفع به، المُشرع هو الله عز وجل، إذاً أسباب المنازعات بين البشر، سبب المنازعات أن العناد بين الأشخاص سببه اختلاف الهوى، الأهواء متناقضة، والأشخاص أقوياء وضعفاء، فصاحب الهوى الأقوى ينتصر ويذل الآخرين، فتقريباً تكاد تكون أكثر مشكلات الأرض من تنازع الأهواء، أما عند المجتمع الإسلامي المُشرعِّ هو الله، فكل الخلق يخضعون لهذا التشريع، يحدث انسجام، أي عندما يكون المبدأ كبيراً جداً من عند خالق الكون يكون المتبعون لهذا المبدأ على رضى، وعلى سرور، وعلى طاعة تامة، لأن طاعتهم لهذا المبدأ ليس قهراً لهم.
أما أن يقهرك إنسان مثلك بأمر، يمنعك من شيء، وأنت مثلك مثله لا تحتمل، تنشأ منازعة، أما أن يمنع الخالق هذا الشيء؟! أوضح مثل الصيام، لو أن إنساناً شرع الصيام، أو دولة شرعت الصيام، كم إنساناً يصوم صياماً حقيقياً؟ ولا واحد، يدخل البيت يشرب، طبعاً بالطريق لا يشرب، ولا بمكان العمل، لأنه مراقب، يشرب بالبيت، أما عندما يُشرِّع الله الصيام يكاد الواحد يكاد يموت عطشاً، وهو بالبيت وحده، والماء بارد كالزلال، لا يشرب نقطة ماء، عندما يشرع الله الكل يخضع، ويُطبق التشريع بحذافيره، وبتفاصيله، وبدقائقه، إذاً النقطة أنّه يجب أن يكون المشرع غير منتفع بتشريعه، من الذي لا ينتفع بالتشريع؟ هو الله وحده، فالمشرع هو الله، نحن مًشرع لنا، وإذا علمنا أن المشرع هو الله عز وجل نخضع له جميعاً دون أن نتنازع، مشكلات الأرض في التنازع، والتنازع تضاد للأهواء، تنازع الأهواء أنّ الإنسان لن يخضع لإنسان آخر إلا إذا رآه أقوى منه، يخضع له مقهوراً، أما الإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل يخضع له طائعاً، فالحياة لا تصلح إلا بتشريع سماوي، وهذا التشريع تنتفي عنه الأهواء والمصالح، وهو عدل، لأن الله هو العدل.
 

من أطاع الله عز وجل فهو في سلام مع نفسه:


إذاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ وقفنا وقفة عند ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ ، وقفنا وقفة عند ﴿ادخلوا في﴾ معنى ﴿في﴾ يجب أن تدخل كلك في هذا الإسلام، بكل كيانك، بكل نشاطاتك، بكل حركاتك، بكل سكناتك، بكل أوقاتك، بكل أمكنتك، ﴿ادخلوا في السلم كافة﴾ هذه بمعنى في، أما ﴿السلم﴾ فتعني الإسلام، الإنسان حينما يسلم فهو في سلام مع الله، لأنه في طاعته.

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

في سلام مع أهله لأنه عرف ما له وما عليه، وقف عند حدود الله عز وجل فأحبه أهله، في سلام مع من حوله، مع أقربائه، مع أمه وأبيه، مع أولاده، مع جيرانه، مع كل الخلق في سلام، حتى مع الملائكة تحبه، حتى مع الجماد يبكي عليه. 

﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾

[ سورة الدخان ]

حتى مع السماء تبكي عليه حينما يموت، حتى مع الجماد، الجماد يتبارك بمشي الإنسان فوقه، إذاً السلم هنا هو الإسلام، أنت حينما تطيع الله في سلام مع نفسك أول شيء، أهم شيء نفسك جُبِلت على طاعة الله، مصممة أن تطيع الله، فإن أطعت الله عز وجل كنت في سلام معها، الآية اليوم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور